الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء الاتابك زنكي على مدينة حماة. ثم سار عماد الدين زنكي لجهاد الافرنج وعبر الفرات إلى الشام واستنجد تاج الملوك بوري بن طغركين صاحب دمشق فأنجده بعد التوثق باستحلافه وبعث عسكره من دمشق إلى ابنه سونج وأمره بالمسير إلى زنكي فلما وصلوا إليه أكرمهم ثم غدر بهم بعد أيام وقبض على سونج والأمراء الذين معه فاعتقلهم بحلب ونهب خيامهم وبادر إلى حماة وهي خلو من الحامية ملكها وسار عنها إلى حمص وصاحبها قيرجان بن قراجا معه في عساكره وهو الذي أشار بحبس سونج وأصحابه فقبض عليه يظن أهل حمص يسلمون بلادهم إليه فامتنعوا وبعث إليهم قيرجان بذلك فلحق إليها فحاصرها مدة وامتنعت عليه فعاد إلى الموصل ومعه سونج بن بوري والله أعلم..فتح عماد الدين حصن الاثارب وهزيمة الافرنج. ولما عاد عماد الدين إلى الموصل أراح عساكره أياما ثم تجهز سنة أربع وعشرين إلى الغزو وعاد إلى الشام فقصد حلب واعتزم على قصد الاثارب وهو على ثلاثة فراسخ من حلب وكان الافرنج الذين به قد ضيقوا على حلب فسار إليه وحاصره وجاء الافرنج من انطاكية لدفاعه فاستغرغوا فتبعهم وترك الحصن وسار إليهم واستماتت المسلمون فانهزم الافرنج وأسر كثير من زعمائهم وقتل كثير حتى بقيت عظامهم ماثلة بذلك الموضع أكثر من ستين سنة ثم عاد إلى حصن الاثارب فملكه عنوة وخربه وتقسم جميع من فيه بين القتل والاسر وسار إلى قلعة حارم قرب انطاكية وهي للافرنج فحاصرها حتى صالحوه على نصف خراجها فرجع عنها وملىء الافرنج رعبا منه ومن استبداد المسلمين به وذهب ما كان عندهم من الطمع..واقعة عماد الدين مع بني ارتق. ولما فرغ عماد الدين من غزو الافرنج وفتح الاثارب وقلعة حارم عاد إلى الجزيرة وحاصر مدينة سرخس وهي لصاحب ماردين بينها وبين نصيبين فاجتمع حسام الدين صاحب ماردين وركن الدولة صاحب آمد وهما لابي الغازي صاحب ماردين ابن حسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي وصاحب كيفا ركن الدولة داود بن سقمان وتمرتاش بن ارتق وجمعوا من التركمان نحوا من عشرين ألفا وساروا لمدافعة زنكي فهزمهم وملك سرخس وسار ركن الدولة إلى جزيرة ابن عمر لينهبها فاتبعه عماد الدين فرجع إلى بلده فعاد عنه لضيق مسالكه وملك من قلاعه همرد ورجع إلى الموصل إلى آخره..حصول دبيس بن صدقة في أسر الاتابك زنكي. قد تقدم لنا أن دبيس بن صدقة لما فارق البصرة سار إلى سرخد من قلاع الشام سنة خمس وعشرين باستدعاء الجارية التي خلفها الحسن هنالك ليتزوج بها وأنه مر في الغوطة يجي من أحياء كلب فأسروه وحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق وبلغ إلى الاتابك زنكي وكان عدوا له فبعث فيه إلى تاج الملوك بوري وفادى من ابنه سونج والأمراء الذين معه عنده فأطلقهم وبعث بوري إليه بدبيس وهو مستيقن الهلاك فلما وصله أكرمه وأحسن إليه وأزاح علله وبعث المسترشد فيه إلى بوري بن طغركين صاحب دمشق فوجده قد فات بتسليمه إلى زنكي فذم الرسل زنكي فيما فعله فأرصد لهم في طريقهم وسيقوا إليه وهم سديد الدولة بن الانباري وأبو بكر بن نشر الجزري فحبسهما حتى شفع فيهما المسترشد وبقي دبيس عنده حتى انحدر معه إلى العراق..مسير الاتابك زنكي إلى العراق لمظاهرة السلطان مسعود وانهزامه. ولما توفي السلطان محمود سنة خمس وعشرين واختلف ولده داود وأخوه مسعود وسار داود إلى مسعود وحاصره بتبريز في محرم سنة ست وعشرين ثم صالحه وخرج مسعود من تبريز واجتمعت عليه العساكر وسار إلى همذان وبعث يطلب الخطبة من المسترشد فمنعه وكتب الاتابك عماد الدين زنكي يستنجده وسار إلى بغداد فحاصرها وكان قد سبق إليها أخوه سلجوق شاه صاحب فارس وخوزستان مع أتابك قراجا الشامي في عسكر كثير وأنزله المسترشد بدار السلطان فلما جاء مسعود ونزل عباسة وبرز عسكر المسترشد وعسكر سلجوق شاه وقراجا الشامي لمحاربة مسعود فأتاهم الخبر بوصول عماد الدين زنكي من ورائهم وأنه وصل إلى المعشوب فرجع قراجا الشامي إلى محاربته وسار سلجوق شاه بالعساكر إلى محاربة أخيه مسعود وأغذ قراجا السير وصبح عماد الدين بعد يوم وليلة على المعشوب وقاتله وهزمه وأسر كثيرا من أصحابه وسار زنكي منهزما إلى والنائب بها نجم الدين أيوب بن شادي والد السلطان صلاح فتأخر ثم اصطلح مع الخليفة على أن يكون العراق له والسلطنة لمسعود وولاية العهد لسلجوق شاه وذلك منتصف سنة ست وعشرين.
|